مجالات الهندسة الوراثية
أ - الهندسةالوراثية والطب الشرعي:الجينات التي تنقل الرسالة الوراثيةمن جيل لآخر، وتوجه نشاط كل خلية هي عبارة عن جزيئات عملاقة تكون ما يشبه الخيوطالرفيعة المجدولة تسمى الحمض النووي الريبوزي المختزل DNA، وتحتوى هذه الرسالةالوراثية على كل الصفات الوراثية بداية من لون العينين حتى أدق التركيبات الموجودةبالجسم. وتترتب الجينات في خلايا الإنسان على 23 زوجًا من الكروموسومات في نواةالخلية، والكروموسومات مركبة من الحمض النووي وبروتينات، وهذه البروتينات تلعبدوراً هاماً في المحافظة على هيكل المادة الوراثية، وتنظم نشاط تعبير الجينات الذييؤدى إلى تكشف وتكوين الفرد الكامل من خلية الزيجوت. وتوجد بعض الجينات فيالميتوكوندريا، وتورث عن طريق الأم. وتكمن المعلومات الوراثية لأية خلية من تتابعالشفرة الوراثية ( تتابع القواعد النيتروجينية الأربع التي وهبها الله للحياة، وهى: الأدينين ( A ) والجوانين ( G ) والسيتوزين ( C ) والثيامين ( T )، التي تكونالمادة الوراثية في صورة كلمات وجمل تقوم بتخزين المعلومات الوراثية في لوح محفوظمسئول عن حياة الفرد.
حديثاً تمكّن إليك جيفرس في جامعة لستر بالمملكة المتحدةمن اكتشاف اختلافات في تتابع الشفرة الوراثية في منطقة الإنترون Intron متمثلة فيالطول والموقع. وقد وجد أن هذه الاختلافات ينفرد بها كل شخص تماماً مثل بصمة الإصبع -لذلك أطلق عليها بصمة الجينات- باستثناء نوع نادر من التوائم المتطابقة الناشئة عنانقسام بويضة مخصبة واحدة MZT. وبحساب نسبة التمييز بين الأشخاص باستخدام بصمةالجينات وجد أن هذه النسبة تصل إلى حوالي 1 : 300 مليون أي أن من بين 300 مليون شخصيوجد شخص واحد فقط يحمل نفس بصمة الجينات. وقد وجد -أيضاً- أن بصمة الجينات تورثطبقاً لقوانين مندل الوراثية.
المقصود ببصمة الجينات:
بصمة الجيناتهي اختلافات في التركيب الوراثي لمنطقة الإنترون، وينفرد بها كل شخص تماماًوتُوَرَّث؛ أي أن الطفل يحصل على نصف هذه الاختلافات من الأم وعلى النصف الآخر منالأب، ليكون مزيجاً وراثيًا جديدًا يجمع بين خصائص الوالدين، وخصائص مستودع وراثيمتسع من قدامى الأسلاف. ولقد وُجد –أيضاً- أن بصمة الجينات تختلف باختلاف الأنماطالجغرافية للجينات في شعوب العالم. فعلى سبيل المثال يختلف الآسيويون (الجنس الأصفرأو المغولي) عن الأفارقة.
تعيين بصمة الجينات:
كل ما هو مطلوب لتعيين بصمةالجينات هو عينة صغيرة من الأنسجة التي يمكن استخلاص الحمض النووي الريبوزي المختزل DNA منها، فعلى سبيل المثال:
عينة من الدم في حالة إثبات بنوة.
عينة منالحيوان المنوي في حالة الاغتصاب.
قطعة جلد من تحت الأظافر أو شعيرات من الجسمبجذورها في حالة وفاة بعد مقاومة المعتدي.
دم أو سائل منوي مجمد أو جاف موجودعلى مسرح الجريمة.
عينة من اللعاب.
وحديثاً تمكَّن العالمان الأستراليانرولاند فان وماكسويل جونز في عام 1997م من عزل المادة الوراثية من الأشياء التي تملمسها مثل المفاتيح والتليفون والأكواب بعد استخلاص المادة الوراثية، يتم تقطيعهاباستخدام إنزيمات التحديد Restrection enzymes ، ثم تفصل باستخدام جهاز الفصلالكهربائي Electrophoresis ثم تُنقل إلى غشاء نايلون، ثم باستخدام مسابر خاصة Probes يتم تعيين بصمة الجينات على فيلم أشعة.
بصمة الجينات كدليل جنائي:
علىالرغم من مرور وقت قصير على اكتشاف بصمة الجينات، إلا أنها استطاعت عمل تحول سريعمن البحث الأكاديمي إلى العلم التطبيقي الذي يستخدم حول العالم، وخصوصاً في الحالاتالتي عجزت وسائل الطب الشرعي التقليدية أن تجد لها حلاً مثل: قضايا إثبات البنوة،والاغتصاب، وجرائم السطو، والتعرف على ضحايا الكوارث.
وحيث إن نسبة النجاح التيتقدمها الجينات تصل إلى حوالي 96% فقد شجع ذلك الدول المتقدمة مثل أمريكا وبريطانياعلى استخدامها كدليل جنائي. بل إن هناك اتجاهًا لحفظ بصمة الجينات للمواطنين معبصمة الإصبع لدى الهيئات القانونية. وقد تم الحسم في كثير من القضايا بناء علىاستخدام بصمة الجينات كدليل جنائي. ويستند القضاة عادة في مثل تلك الحالات علىالدراسات العلمية التي تقول بأن احتمال وجود تشابه بين البصمة الجينية لشخص بريء معالبصمات الجينية المنتزعة من موقع الجريمة هو واحد في كل 300 مليون، وبالنتيجةالعلمية فإن التشابه يعنى التجريم، وعليه فإن ما ينبغي القيام به من جانب المحلفينهو محاولة تبين ما إذا كان الشخص بريئاً مع الأخذ في الاعتبار التشابه الحاصل فيالبصمة الجينية، والذي أثبتته تقارير الطب الشرعي.
ب - الهندسة الوراثية والطبالبشرى:الهندسة الوراثية البشرية هي إحدى الفروع التطبيقيةلعلم الوراثة، وتعتبر ثورة تقنية جبارة تهدف إلى إضافة جينات جديدة تحمل إلى الكائنالحي صفات لم تكن موجودة من قبل، لحين تجاوز التراكيب الوراثية الموجودة إلى تراكيبجينية أفضل بقصد إصلاح عيب أو خلل في المادة الوراثية أو تحسين الصفات العامةللأفراد عن طريق إعادة صياغة الخريطة الجينية.
وقد أثارت الهندسة الوراثيةالبشرية تصورات وتوقعات العلماء عن الكون والبشرية خلال الألفية المقبلة. فقد تنبأعالم الفيزياء الشهير ستيفين هوكينج -الذي يعد واحداً من أهم علماء القرن الحالي- بأن العلماء سيتمكنون قريباً من حل أهم ألغاز الكون، كما تنبأ بأن الهندسة الوراثيةسوف تغير سريعاً شكل ومواصفات وقدرات الجنس البشرى!
وقال هوكينج في محاضرةألقاها في البيت الأبيض: "إن معظم أعمال الخيال العلمي التي ظهرت خلال القرن الحاليافترضت أن الإنسان سيبقى كما هو دون تغيير، بينما يتطور العلم إلى مستويات أخرىجديدة، ولكني لا أستطيع أن أصدق بعض هذه الأعمال التي تصور الإنسان بعد 400 سنة كماهو الآن"، ثم أعلن هوكينج عن اعتقاده بأن الجنس البشرى وصفاته الوراثية ستزدادتعقيداً بسرعة كبيرة تفوق تخيلاتنا! وقال: "إن الهندسة الوراثية هي الجسر الذي يعبرعليه البشر للارتقاء والتطور في صفات الإنسان، وهو أمر مطلوب حتى يستطيع الإنسانملاحقة التقدم العلمي والتقني الذي يحققه. وبرَّر هوكينج أسباب هذا التغيير بقوله: إن الجنس البشرى يحتاج إلى تحسين صفاته العقلية والجسدية، حتى يمكنه التعامل مععالم يزداد تعقيداً من حوله، ومواجهة ظروف جديدة مثل السفر في الفضاء، كما أنالإنسان يلزمه تطوير أنظمته البيولوجية، حتى تقدر على مسايرة الأنظمةالإلكترونية.
على الجانب الآخر وبخلاف توقعات هوكينج بأن إنسان المستقبل سيتحولإلى مخلوق "سوبر" حذر علماء آخرون في إسكتلنديا من أن الإنسان القادم سيتسمبالبدانة والصلع بسبب الرفاهية المطلقة، والتقدم العلمي الذي سيجعله لا يفعل شيئاًسوى تناول الطعام، ومشاهدة التليفزيون، وهو ما سيجعله أشبه "بثمرة البطاطس"، وذكرعلماء الآثار الإسكتلنديون أن هذه الصورة المحبطة لإنسان المستقبل أو "الرجلالبطاطس" جاءت نتيجة إقبال البشر الحاليين على توفير الجهد والوقت تجعلهم بعيدين عنالقيام بأي نشاط، فضلاً عن أن كثيراً من الناس لا يمارسون الرياضة. وأشار العلماءإلى أن البشر يتجهون إلى الصلع والبدانة وأن يصبحوا كائنات ذات هياكل عظمية قصيرةوأجسام هائلة ضخمة، الأمر الذي ينذر بعواقب صحية وخيمة. وطالب العلماء بتغييرالإنسان لأسلوب معيشته الحالي، والابتعاد عن هذا النمط الاستهلاكي، والاهتمامبالبيئة المحيطة به، وإلا "فالرجل البطاطس" قادم لا محالة!
ومن الأحلام الوراثيةالتي في طريقها للتحقيق مشروع الطاقم الوراثي البشري أي رسم خرائط الجينات البشريةمن خمسين ألف إلى مائة ألف جين والذي سيتطلب ما يزيد عن ثلاثة بلايين دولار. إنالوصول إلى أسرار الأطقم الوراثية يشبه لحد بعيد ما حدث في الكيمياء من اكتشافالجدول الدوري للعناصر. ومن المؤكد أن هذا المشروع سيزيد من فهمنا للسلوك البشرىوالجينات الوراثية في الصحة والمرض، مما يساعد في تصميم اختبارات للإرشاد الوراثي. لقد بدأت بالفعل ثورة الهندسة الوراثية البشرية وتقدمت بحوثها وتطبيقاتها. وبالرغممن أن جزءًا كبيرًا من منجزات هذه الثورة ما زال بعيداً في مخيلات العلماء ومعاملهمفقط فإن التعامل مع الجينات البشرية في حاجة إلى ما يحكمه ويفلسفه ويقيده إذا لزمالأمر.
الاسئلة المطروحة